نظرية التجريم في القانون الجنائي
معيار سلطة العقاب
تشريعاً وتطبيقاً
دكتور
رمسيس بهنام
دكتور في القانون من جامعتي روما وباريس
وأستاذ القانون الجنائي بجامعة الإسكندرية
والجامعات الإيطالية
(۱) - نظرية التجريم جزء من نظرية أعم وأشمل هي نظرية التأثيم. والتأثيم هو إضفاء صفة الإثم على سلوك ما، أي اعتبار هذا السلوك حقيقاً بالملامة. والتأثيم إما ديني حين يكون مصدره قانوناً سماوياً، وإما قانوني وذلك حين يكون مصدره قانوناً أرضياً.
ومؤدى التأثيم القانوني أن السلوك المؤثم يجر أصحابه جزاءً قانونياً. وهنا يختلف التأثيم مجرداً وبالمعنى الديني عن التأثيم القانوني. فالتأثيم الديني جزاؤه الوخز الداخلي للضمير والعذاب في الآخرة. وأما التأثيم القانوني فجزاؤه عقوبة توقعها سلطة شرعية.
وقد يبدو لأول وهلة أن مفهوم التأثيم القانوني يندرج برمته تحت مفهوم التجريم. فهما يترادفان، فكلاهما يعني وصف السلوك بأنه إثم ومعاقبة من يأتيه. وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكننا سنرى بعد قليل أن بين المفهومين فرقاً يجعل من التجريم جزءاً من التأثيم وليس كل التأثيم.
فالتأثيم أعم من التجريم. فالتأثيم هو إضفاء صفة الإثم على السلوك، وجعل من يرتكبه حقيقاً باللوم. وهذا يشمل التجريم، ولكنه يتجاوزه إلى أمور أخرى. فليس كل ما هو مؤثم يعتبر جريمة تستوجب عقوبة جنائية. فهناك تأثيم أخلاقي أو اجتماعي قد لا يصل إلى حد التجريم القانوني.
ولكن ما يهمنا هنا هو التأثيم القانوني، والذي هو أساس التجريم. فالتجريم هو إضفاء صفة الإثم على سلوك ما، وجعله خاضعاً لعقوبة جنائية محددة. أي أن التجريم هو أحد تطبيقات التأثيم القانوني، وهو التطبيق الذي يتعلق بالجرائم والعقوبات الجنائية.
والتجريم، شأنه شأن التأثيم، ينطوي على عنصرين:
* العنصر الوصفي: وهو وصف السلوك بأنه إثم.
* العنصر الجزائي: وهو ترتيب جزاء قانوني على هذا السلوك.
ولكن في التجريم، الجزاء القانوني هو عقوبة جنائية، وهذه العقوبة توقعها سلطة قضائية مختصة، بعد إجراءات قانونية محددة.
فالتجريم إذن هو عملية تشريعية تتضمن تحديد الأفعال التي تعتبر جرائم، وتحديد العقوبات المقررة لها. وهو أيضاً عملية قضائية تتضمن تطبيق هذه النصوص على الحالات الفردية، وتحديد ما إذا كان السلوك المرتكب يشكل جريمة أم لا، وتوقيع العقوبة المناسبة.
وهذا الكتاب سيتناول نظرية التجريم في القانون الجنائي، أي المعايير التي تستند إليها سلطة العقاب في تجريم الأفعال، سواء من الناحية التشريعية أو التطبيقية.
الباب الأول: معيار التجريم في التشريع
الفصل الأول: الأصل التاريخي والاجتماعي للتجريم
القسم الأول: التجريم في الحضارات القديمة
في الحضارات القديمة، لم يكن هناك فصل واضح بين القانون الجنائي والقوانين الأخرى (الدينية والأخلاقية). فالتجريم كان غالباً مرتبطاً بالمعتقدات الدينية والأعراف الاجتماعية. وكان الهدف الأساسي من العقوبة هو الانتقام أو التطهير.
1. الشريعة البابلية (قانون حمورابي):
كانت شريعة حمورابي من أقدم وأهم الشرائع التي نظمت الجرائم والعقوبات. وقد قامت على مبدأ "العين بالعين والسن بالسن" (قانون القصاص). ومع ذلك، فقد تضمنت أيضاً أحكاماً تتعلق بالمسؤولية الجنائية والظروف المشددة والمخففة.
2. الشريعة المصرية القديمة:
كانت الشريعة المصرية القديمة تتسم بالطابع الديني، حيث كان الفرعون يعتبر إلهاً، والقانون مستمداً من إرادته. وكانت العقوبات تتسم بالشدة والقسوة، وتهدف إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي والديني.
3. الشريعة اليونانية والرومانية:
في اليونان القديمة، كانت هناك محاولات لوضع قوانين جنائية أكثر تنظيماً. وفي روما القديمة، تطور القانون الجنائي بشكل كبير، حيث ظهرت مفاهيم مثل القصد الجنائي والخطأ غير العمدي. وقد تميز القانون الروماني بتطوره التقني والتصنيف الدقيق للجرائم.
القسم الثاني: التجريم في العصور الوسطى
في العصور الوسطى، سيطر القانون الكنسي على معظم جوانب الحياة، بما في ذلك التجريم والعقاب. وقد تأثر القانون الجنائي بالمفاهيم الدينية، حيث اعتبرت الجريمة خطيئة ضد الله والمجتمع. وكانت العقوبات تتسم بالوحشية والقسوة، وتهدف إلى تطهير المذنب وتأديبه.
القسم الثالث: التجريم في العصر الحديث
مع ظهور الدولة الحديثة، بدأ القانون الجنائي يتطور ليصبح فرعاً مستقلاً من فروع القانون العام. وقد تأثر هذا التطور بالأفكار الليبرالية والتنويرية، التي دعت إلى تقييد سلطة الدولة وحماية الحريات الفردية.
وقد ظهرت نظريات مختلفة لتبرير التجريم والعقاب، مثل نظرية العقد الاجتماعي، ونظرية الردع، ونظرية الإصلاح. وأصبح الهدف من العقوبة ليس فقط الانتقام، بل أيضاً الردع العام والخاص، وإصلاح المجرم.
الفصل الثاني: معيار التجريم في الفقه القانوني
يتناول هذا الفصل المعايير التي وضعها الفقهاء لتحديد ما يعتبر جريمة وما لا يعتبر. وهذه المعايير تختلف باختلاف المدارس الفقهية:
القسم الأول: المدرسة التقليدية (الكلاسيكية)
تركز هذه المدرسة على مبدأ الشرعية، أي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني. وتعتبر الجريمة فعلاً غير مشروع يتسبب في ضرر للمجتمع، ويستوجب عقوبة محددة سلفاً بالقانون.
وقد دعت هذه المدرسة إلى ضرورة وجود قانون مكتوب يحدد الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، وذلك لضمان العدالة وحماية الحريات الفردية. ومن أهم رواد هذه المدرسة:
* سيزار بيكاريا: الذي دعا إلى تقنين الجرائم والعقوبات، وإلغاء العقوبات القاسية وغير الإنسانية.
* جيريمي بنثام: الذي وضع مبدأ المنفعة، واعتبر أن الهدف من العقوبة هو تحقيق أكبر قدر من المنفعة للمجتمع.
القسم الثاني: المدرسة الوضعية (الإيطالية)
تركز هذه المدرسة على شخصية المجرم بدلاً من الجريمة ذاتها. وتعتبر الجريمة نتيجة لعوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية تؤثر على سلوك الفرد. وتدعو إلى دراسة المجرم وعلاجه، بدلاً من مجرد معاقبته.
ومن أهم رواد هذه المدرسة:
* سيزار لومبروزو: الذي اعتبر أن هناك "مجرمين بالفطرة"، وأن الجريمة هي نتيجة لخصائص جسدية ونفسية معينة.
* إنريكو فيري: الذي ركز على العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى الجريمة.
* رافائيل جاروفالو: الذي وضع مفهوم "الجريمة الطبيعية"، واعتبر أن هناك أفعالاً تعتبر جرائم بطبيعتها، بغض النظر عن النص القانوني.
القسم الثالث: المدرسة الاجتماعية الحديثة
تحاول هذه المدرسة التوفيق بين أفكار المدرستين التقليدية والوضعية. وتعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية معقدة، تتأثر بعوامل فردية واجتماعية على حد سواء. وتدعو إلى تطبيق مبدأ الشرعية، مع الأخذ في الاعتبار شخصية المجرم وظروفه الاجتماعية.
وتركز هذه المدرسة على الوقاية من الجريمة، وإعادة تأهيل المجرمين، وتحقيق العدالة التصالحية.
الفصل الثالث: معيار التجريم في التشريعات المعاصرة
تعتمد معظم التشريعات المعاصرة على مبدأ الشرعية كمبدأ أساسي للتجريم. وهذا يعني أنه لا يجوز تجريم أي فعل أو توقيع أي عقوبة إلا بناءً على نص قانوني سابق على ارتكاب الفعل.
ومع ذلك، فإن هناك اختلافات بين التشريعات في تحديد نطاق التجريم، وفي تحديد العقوبات المقررة للجرائم المختلفة.
القسم الأول: مبدأ الشرعية الجنائية
يعتبر مبدأ الشرعية الجنائية من أهم المبادئ التي تحكم القانون الجنائي. وهو يضمن حماية الأفراد من التعسف في تطبيق القانون، ويمنع التجريم بأثر رجعي.
ويتضمن مبدأ الشرعية الجنائية عدة عناصر:
* مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية: أي أنه لا يجوز تطبيق القانون الجنائي على أفعال ارتكبت قبل صدوره.
* مبدأ تفسير القانون الجنائي تفسيراً ضيقاً: أي أنه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص الجنائية لتشمل أفعالاً لم يقصدها المشرع.
* مبدأ وضوح النص الجنائي: أي أن النص الجنائي يجب أن يكون واضحاً ومحدداً، بحيث لا يترك مجالاً للشك أو اللبس.
* مبدأ النص المكتوب: أي أن النص الجنائي يجب أن يكون مكتوباً، ولا يجوز التجريم بالعرف أو القياس.
القسم الثاني: معايير التجريم في التشريعات المقارنة
تختلف معايير التجريم بين التشريعات المختلفة، وذلك تبعاً للنظام القانوني والثقافة الاجتماعية لكل دولة.
* التشريعات اللاتينية (القانون المدني):
تعتمد هذه التشريعات على مبدأ الشرعية الجنائية بشكل صارم. وتتميز بتصنيف دقيق للجرائم، وتحديد العقوبات المقررة لكل جريمة.
* التشريعات الأنجلوساكسونية (القانون العام):
تعتمد هذه التشريعات على مبدأ السابقة القضائية (Precedent) إلى جانب النص القانوني. وتتميز بمرونة أكبر في التجريم، حيث يمكن للقاضي أن يحدد ما إذا كان الفعل يشكل جريمة أم لا بناءً على السوابق القضائية.
* التشريعات الإسلامية:
تعتمد هذه التشريعات على مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتجريم والعقاب. وتتميز بتصنيف الجرائم إلى حدود وقصاص وتعازير، وتحديد العقوبات المقررة لكل نوع من الجرائم.
الباب الثاني: معيار التجريم في التطبيق القضائي
يتناول هذا الباب كيفية تطبيق القضاة لمعيار التجريم في الحالات الفردية، وكيفية تحديد ما إذا كان الفعل يشكل جريمة أم لا.
الفصل الأول: دور القاضي في التجريم
يلعب القاضي دوراً حيوياً في تطبيق معيار التجريم، حيث يقوم بتفسير النصوص القانونية وتطبيقها على الوقائع المعروضة أمامه.
القسم الأول: تفسير النصوص الجنائية
يقوم القاضي بتفسير النصوص الجنائية لتحديد المعنى الحقيقي للمشرع، وذلك لضمان تطبيق القانون بشكل صحيح وعادل. ويتم ذلك باستخدام عدة طرق للتفسير:
* التفسير اللفظي: وهو تفسير النص بناءً على المعنى الحرفي للكلمات.
* التفسير المنطقي: وهو تفسير النص بناءً على المنطق والعقل، واستخلاص القواعد القانونية الضمنية.
* التفسير التاريخي: وهو تفسير النص بناءً على الظروف التاريخية التي صدر فيها القانون، والهدف الذي سعى المشرع لتحقيقه.
* التفسير الغائي: وهو تفسير النص بناءً على الغاية أو الهدف الذي يسعى القانون إلى تحقيقه.
القسم الثاني: سلطة القاضي التقديرية في التجريم
على الرغم من مبدأ الشرعية الجنائية، فإن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في بعض الحالات، خاصة في تحديد مدى توافر أركان الجريمة، وفي تحديد العقوبة المناسبة.
* تقدير مدى توافر الركن المادي للجريمة:
يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل الركن المادي للجريمة أم لا. وهذا يتطلب تقدير مدى تطابق الفعل مع الوصف القانوني للجريمة.
* تقدير مدى توافر الركن المعنوي للجريمة:
يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان مرتكب الفعل قد توافر لديه القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي. وهذا يتطلب تقدير نية الجاني أو إهماله.
* تقدير الظروف المشددة والمخففة:
يجب على القاضي أن يأخذ في الاعتبار الظروف المشددة والمخففة التي قد تؤثر على جسامة الجريمة أو على مسؤولية الجاني.
الفصل الثاني: تطبيق معيار التجريم في القضايا العملية
يتناول هذا الفصل أمثلة عملية لكيفية تطبيق معيار التجريم في القضايا الجنائية المختلفة.
القسم الأول: جرائم الأشخاص
تتضمن جرائم الأشخاص الجرائم التي تستهدف سلامة الجسم أو الحق في الحياة، مثل القتل والاعتداء والضرب. وفي هذه الجرائم، يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان الفعل المرتكب قد تسبب في ضرر جسدي أو نفسي للضحية، وما إذا كان هناك قصد جنائي من جانب الجاني.
القسم الثاني: جرائم الأموال
تتضمن جرائم الأموال الجرائم التي تستهدف الأموال والممتلكات، مثل السرقة والاحتيال والنصب. وفي هذه الجرائم، يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان هناك استيلاء على المال بطريقة غير مشروعة، وما إذا كان هناك قصد جنائي من جانب الجاني.
القسم الثالث: جرائم الشرف والأخلاق
تتضمن جرائم الشرف والأخلاق الجرائم التي تستهدف القيم الأخلاقية والاجتماعية، مثل الزنا والقذف والسب. وفي هذه الجرائم، يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان الفعل المرتكب قد أخل بالآداب العامة أو بالقيم الأخلاقية، وما إذا كان هناك قصد جنائي من جانب الجاني.
القسم الرابع: الجرائم الاقتصادية وجرائم الفساد
تتضمن الجرائم الاقتصادية وجرائم الفساد الجرائم التي تستهدف الاقتصاد الوطني أو المصلحة العامة، مثل الرشوة والاختلاس وغسل الأموال. وفي هذه الجرائم، يجب على القاضي أن يحدد ما إذا كان الفعل المرتكب قد تسبب في ضرر اقتصادي أو فساد إداري، وما إذا كان هناك قصد جنائي من جانب الجاني.
الفصل الثالث: تحديات تطبيق معيار التجريم في العصر الحديث
يواجه تطبيق معيار التجريم في العصر الحديث العديد من التحديات، وذلك بسبب التطورات التكنولوجية والاجتماعية التي تحدث في العالم.
القسم الأول: الجرائم السيبرانية
تشكل الجرائم السيبرانية تحدياً جديداً لتطبيق معيار التجريم، وذلك بسبب طبيعتها المعقدة والعابرة للحدود. وتشمل هذه الجرائم القرصنة والاختراق والابتزاز الإلكتروني.
القسم الثاني: الجرائم المنظمة والعابرة للحدود
تشكل الجرائم المنظمة والعابرة للحدود تحدياً آخر لتطبيق معيار التجريم، وذلك بسبب تنظيمها المعقد وطابعها الدولي. وتشمل هذه الجرائم الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة.
القسم الثالث: الجرائم البيئية
تشكل الجرائم البيئية تحدياً جديداً لتطبيق معيار التجريم، وذلك بسبب تأثيرها على البيئة والصحة العامة. وتشمل هذه الجرائم التلوث والتدمير البيئي والصيد الجائر.
القسم الرابع: الجرائم الإرهابية
تشكل الجرائم الإرهابية تحدياً خاصاً لتطبيق معيار التجريم، وذلك بسبب طبيعتها السياسية وخطورتها على الأمن القومي
.
الباب الثالث: الأركان العامة للجريمة
يجب أن تتوافر أركان معينة لكي يعتبر الفعل جريمة، وهذه الأركان هي: الركن الشرعي، والركن المادي، والركن المعنوي.
الفصل الأول: الركن الشرعي (مبدأ الشرعية الجنائية)
سبق أن تحدثنا عن مبدأ الشرعية الجنائية في الباب الأول، وهو المبدأ الذي يقضي بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص". وهو يضمن أن أي فعل يُعتبر جريمة يجب أن يكون منصوصاً عليه بوضوح في القانون قبل ارتكابه، وأن العقوبة المقررة له يجب أن تكون محددة قانوناً.
القسم الأول: أهمية مبدأ الشرعية
* حماية الحرية الفردية: يمنع التعسف من قبل السلطات ويضمن للأفراد معرفة ما هو محظور وما هو مباح.
* ضمان العدالة: يضمن تطبيق القانون بشكل متساوٍ على الجميع.
* تحقيق الردع: يوفر وضوحاً للأفراد بشأن النتائج المترتبة على أفعالهم.
القسم الثاني: عناصر مبدأ الشرعية
* عدم رجعية القوانين الجنائية: لا يجوز تطبيق قانون جنائي على أفعال ارتكبت قبل سريانه.
* تفسير النصوص الجنائية تفسيراً ضيقاً: لا يجوز التوسع في تفسير النص الجنائي أو القياس عليه، بل يجب الالتزام بالمعنى الحرفي والواضح للنص.
* ضرورة النص المكتوب: لا يكفي العرف أو السوابق القضائية لتجريم فعل ما، بل يجب أن يكون هناك نص قانوني مكتوب.
* وضوح النص الجنائي: يجب أن يكون النص واضحاً ومحدداً لكي لا يترك مجالاً للشك أو التكهن.
الفصل الثاني: الركن المادي للجريمة
الركن المادي هو السلوك الإجرامي الذي يقوم به الجاني، والذي ينتج عنه نتيجة معينة، ويكون هناك علاقة سببية بين السلوك والنتيجة.
القسم الأول: السلوك الإجرامي
السلوك الإجرامي قد يكون:
* فعلاً إيجابياً: وهو القيام بعمل مادي محظور قانوناً، مثل القتل أو السرقة.
* امتناعاً سلبياً: وهو عدم القيام بفعل واجب قانوناً، مع القدرة على القيام به، مثل امتناع الأم عن إرضاع طفلها مما يؤدي إلى وفاته.
القسم الثاني: النتيجة الإجرامية
النتيجة الإجرامية هي الأثر الذي يترتب على السلوك الإجرامي، والذي يضر بالمصلحة المحمية قانوناً. قد تكون النتيجة:
* مادية: مثل وفاة شخص في جريمة القتل، أو ضياع مال في جريمة السرقة.
* معنوية: مثل الإضرار بالسمعة في جريمة القذف.
القسم الثالث: العلاقة السببية
العلاقة السببية هي الرابطة التي تربط بين السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية. يجب أن تكون النتيجة قد حدثت بسبب السلوك، وأن يكون السلوك هو السبب المباشر أو غير المباشر للنتيجة.
الفصل الثالث: الركن المعنوي للجريمة
الركن المعنوي هو الحالة النفسية للجاني وقت ارتكاب الجريمة، وهو ما يميز الجريمة العمدية عن الجريمة غير العمدية.
القسم الأول: القصد الجنائي (الجريمة العمدية)
القصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق النتيجة الإجرامية، مع علمه بالعناصر المكونة للجريمة. وينقسم القصد الجنائي إلى:
* القصد المباشر: حيث تتجه إرادة الجاني مباشرة إلى تحقيق النتيجة.
* القصد الاحتمالي: حيث يتوقع الجاني النتيجة الإجرامية ويقبل المخاطرة بحدوثها.
* القصد الخاص: وهو اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق غاية معينة بالإضافة إلى النتيجة الإجرامية (مثال: القتل مع سبق الإصرار).
القسم الثاني: الخطأ غير العمدي (الجريمة غير العمدية)
الخطأ غير العمدي هو عدم اتخاذ الجاني الحيطة والحذر اللازمين، مما يؤدي إلى وقوع النتيجة الإجرامية دون قصد منه. وينقسم الخطأ غير العمدي إلى:
* الإهمال: عدم اتخاذ الإجراءات الواجبة.
* الرعونة: القيام بفعل بتهور وبلا مبالاة.
* عدم مراعاة القوانين واللوائح: مخالفة القواعد المنظمة للسلوك.
القسم الثالث: انعدام الركن المعنوي (الأسباب التي تنفي المسؤولية الجنائية)
هناك بعض الحالات التي تنتفي فيها المسؤولية الجنائية بسبب انعدام الركن المعنوي، مثل:
* القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ: عندما يكون الجاني غير قادر على السيطرة على الأحداث.
* الإكراه المادي أو المعنوي: عندما يضطر الجاني لارتكاب الفعل تحت تهديد.
* حالة الضرورة: عندما يرتكب الجاني الفعل لدرء خطر جسيم لا يمكن تجنبه بطريقة أخرى.
* صغر السن (في حدود معينة): حيث لا يكون الطفل مميزاً وقادراً على فهم طبيعة أفعاله.
* الجنون أو العاهة العقلية: حيث لا يكون الجاني مدركاً لأفعاله أو قادراً على التحكم فيها.
الباب الرابع: أنواع الجرائم وتصنيفاتها
تصنف الجرائم وفقاً لمعايير مختلفة، مما يساعد على فهم طبيعتها وتحديد العقوبات المناسبة لها.
الفصل الأول: تصنيف الجرائم حسب جسامتها
هذا هو التصنيف الأكثر شيوعاً، ويقسم الجرائم إلى:
القسم الأول: الجنايات
وهي الجرائم الأشد خطورة، مثل القتل والسرقة المسلحة والاتجار بالمخدرات. وتكون عقوباتها غالباً سالبة للحرية لفترات طويلة (السجن المؤبد أو السجن المشدد).
القسم الثاني: الجنح
وهي الجرائم الأقل خطورة من الجنايات، مثل السرقة البسيطة والضرب الخفيف. وتكون عقوباتها سالبة للحرية لفترات قصيرة (الحبس) أو بالغرامة.
القسم الثالث: المخالفات
وهي الجرائم الأقل خطورة على الإطلاق، وغالباً ما تكون متعلقة بالنظام العام، مثل تجاوز السرعة أو مخالفات المرور. وتكون عقوباتها بالغرامة أو الحبس لفترة قصيرة جداً.
الفصل الثاني: تصنيف الجرائم حسب طبيعتها
القسم الأول: الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية
* الجرائم العمدية: تتطلب توافر القصد الجنائي (مثال: القتل العمد).
* الجرائم غير العمدية: تتطلب توافر الخطأ غير العمدي (مثال: القتل الخطأ).
القسم الثاني: الجرائم المادية والجرائم الشكلية
* الجرائم المادية: تتطلب حدوث نتيجة مادية لكي تكتمل الجريمة (مثال: السرقة تتطلب الاستيلاء على المال).
* الجرائم الشكلية (أو جرائم الخطر): تكتمل بمجرد ارتكاب السلوك الإجرامي، حتى لو لم تحدث نتيجة مادية (مثال: حيازة سلاح بدون ترخيص).
القسم الثالث: الجرائم البسيطة والجرائم المستمرة والجرائم المتتابعة
* الجرائم البسيطة: تقع وتنتهي بمجرد ارتكاب الفعل (مثال: السب والقذف).
* الجرائم المستمرة: يستمر الركن المادي فيها لفترة من الزمن (مثال: حيازة المخدرات).
* الجرائم المتتابعة: تتكون من عدة أفعال متجانسة ترتكب في أزمنة مختلفة ولكنها موجهة لغاية واحدة (مثال: اختلاس أموال على دفعات).
الفصل الثالث: تصنيف الجرائم حسب الصفة الخاصة بالجاني أو المجني عليه
القسم الأول: الجرائم العادية والجرائم ذات الصفة الخاصة
* الجرائم العادية: يمكن أن يرتكبها أي شخص (مثال: السرقة).
* الجرائم ذات الصفة الخاصة: لا يمكن أن يرتكبها إلا شخص يتمتع بصفة معينة (مثال: جريمة الرشوة التي يرتكبها الموظف العام).
القسم الثاني: الجرائم الموجهة ضد أشخاص عاديين والجرائم الموجهة ضد أشخاص ذوي صفة خاصة
* الجرائم الموجهة ضد أشخاص عاديين: (مثال: الاعتداء على مواطن).
* الجرائم الموجهة ضد أشخاص ذوي صفة خاصة: (مثال: الاعتداء على موظف عام أثناء تأدية وظيفته، والتي تعتبر ظرفاً مشدداً).
الباب الخامس: المساهمة الجنائية
تتعلق المساهمة الجنائية بالحالات التي يشترك فيها أكثر من شخص في ارتكاب الجريمة.
الفصل الأول: الفاعل الأصلي والمساهمة الفاعلية
القسم الأول: الفاعل الأصلي
هو الشخص الذي يرتكب الركن المادي للجريمة بنفسه، أو يسهم فيه بشكل مباشر وأساسي. يمكن أن يكون هناك فاعل أصلي واحد أو عدة فاعلين أصليين.
القسم الثاني: المساهمة الفاعلية (تعدد الفاعلين)
تحدث عندما يتفق أكثر من شخص على ارتكاب الجريمة، ويقوم كل منهم بجزء من الركن المادي للجريمة، بحيث تكون أفعالهم كلها متضافرة لتحقيق النتيجة الإجرامية.
الفصل الثاني: الشريك (المساهمة التبعية)
الشريك هو الشخص الذي لا يرتكب الركن المادي للجريمة بنفسه، ولكنه يسهم في ارتكابها بطرق أخرى.
القسم الأول: التحريض
هو دفع شخص آخر لارتكاب الجريمة عن طريق الإغراء أو الترهيب أو أي وسيلة أخرى.
القسم الثاني: المساعدة
هي تقديم العون المادي أو المعنوي للفاعل الأصلي قبل أو أثناء ارتكاب الجريمة، لتمكينه من إتمامها.
القسم الثالث: الاتفاق الجنائي
هو التوافق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة معينة، حتى لو لم يتم ارتكاب الجريمة فعلياً في بعض الأنظمة القانونية.
الفصل الثالث: العقوبة في المساهمة الجنائية
تتفاوت العقوبة في المساهمة الجنائية تبعاً لدور كل مساهم في الجريمة.
القسم الأول: مبدأ استقلال العقوبة
كل مساهم يعاقب على فعله الخاص، بغض النظر عن دور المساهمين الآخرين، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
القسم الثاني: العقوبة على الفاعل الأصلي
يعاقب الفاعل الأصلي بالعقوبة المقررة للجريمة كاملة.
القسم الثالث: العقوبة على الشريك
عادة ما يعاقب الشريك بعقوبة أخف من عقوبة الفاعل الأصلي، ولكن قد تكون العقوبة هي نفسها في بعض الحالات، خاصة في الجرائم الخطيرة أو إذا كان دوره حاسماً في ارتكاب الجريمة.
الباب السادس: الشروع في الجريمة
الشروع في الجريمة هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة، ولكن هذه الجريمة لم تتم لأسباب خارجة عن إرادة الجاني.
الفصل الأول: تعريف الشروع وأركانه
القسم الأول: تعريف الشروع
الشروع هو كل فعل يبدأ به الجاني في تنفيذ جريمة، إذا أوقفت أو خابت لأسباب لا دخل لإرادته فيها.
القسم الثاني: أركان الشروع
* البدء في التنفيذ: يجب أن يكون هناك فعل مادي يدل على الشروع في ارتكاب الجريمة، وليس مجرد عمل تحضيري.
* القصد الجنائي: يجب أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي لارتكاب الجريمة كاملة.
* عدم اكتمال الجريمة لأسباب خارجة عن إرادة الجاني: إذا لم تتم الجريمة بسبب تدخل الجاني نفسه (عدول اختياري)، فلا يعتبر ذلك شروعاً معاقباً عليه في معظم التشريعات.
الفصل الثاني: أنواع الشروع
القسم الأول: الجريمة الخائبة (الشروع التام)
تحدث عندما يرتكب الجاني جميع الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة، ولكن النتيجة لا تتحقق لأسباب خارجة عن إرادته (مثال: يطلق الرصاص على شخص بقصد قتله، ولكن الرصاصة تخطئ الهدف).
القسم الثاني: الجريمة الموقوفة (الشروع الناقص)
تحدث عندما يبدأ الجاني في تنفيذ الجريمة، ولكن يتوقف عن إتمامها لأسباب خارجة عن إرادته (مثال: يبدأ في سرقة منزل، ولكن يتم القبض عليه قبل إتمام السرقة).
القسم الثالث: الجريمة المستحيلة
تحدث عندما يكون ارتكاب الجريمة مستحيلاً من البداية، إما لاستحالة مادية (مثل إطلاق النار على جثة يعتقد أنها حية)، أو لاستحالة قانونية (مثل محاولة سرقة مال يملكه الجاني أصلاً). وتختلف التشريعات في معاقبة الجريمة المستحيلة.
الفصل الثالث: العقوبة على الشروع
عادة ما تكون عقوبة الشروع أخف من عقوبة الجريمة التامة، وذلك لأن الضرر لم يتحقق بشكل كامل. وتختلف العقوبة تبعاً لجسامة الجريمة ونوع الشروع.
القسم الأول: عقوبة الشروع في الجنايات
يعاقب الشروع في الجنايات في معظم التشريعات، وتكون العقوبة غالباً هي نصف العقوبة المقررة للجريمة التامة، أو تخفيضها بدرجة أو درجتين.
القسم الثاني: عقوبة الشروع في الجنح
لا يعاقب الشروع في الجنح إلا بنص خاص في القانون، وذلك لأنها أقل خطورة من الجنايات.
القسم الثالث: عقوبة الشروع في المخالفات
لا يعاقب الشروع في المخالفات على الإطلاق.
الباب السابع: أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
هناك حالات معينة، بالرغم من ارتكاب الفعل الذي يشكل جريمة، إلا أنه لا يعاقب الجاني، إما لأن الفعل يصبح مباحاً أو لأن الجاني لا يكون مسؤولاً جنائياً.
الفصل الأول: أسباب الإباحة
أسباب الإباحة هي ظروف تجعل الفعل الذي يُعد جريمة في الظروف العادية، فعلاً مشروعاً ومباحاً. وبالتالي، ينتفي الوصف الجنائي عن الفعل.
القسم الأول: الدفاع الشرعي
هو حق الشخص في دفع اعتداء حال أو وشيك الوقوع على نفسه أو ماله أو على نفس أو مال الغير، بشرط أن يكون الدفاع متناسباً مع الخطر، وأن يكون ضرورياً لدرء الاعتداء.
القسم الثاني: أداء الواجب القانوني
عندما يرتكب الشخص فعلاً يعتبر جريمة، ولكنه كان يؤدي واجباً قانونياً مفروضاً عليه بموجب القانون (مثال: القبض على مجرم من قبل رجل الشرطة).
القسم الثالث: استعمال الحق
عندما يرتكب الشخص فعلاً يعتبر جريمة، ولكنه كان يستعمل حقاً مشروعاً له (مثال: حق الطبيب في إجراء عملية جراحية ينتج عنها أذى جسدي، ولكنه في إطار العلاج).
القسم الرابع: رضا المجني عليه
في بعض الجرائم، قد يكون رضا المجني عليه سبباً لإباحة الفعل، ولكن هذا ليس مطلقاً وينحصر في جرائم معينة لا تتعلق بالنظام العام (مثال: بعض جرائم الاعتداء البسيطة).
الفصل الثاني: موانع المسؤولية الجنائية
موانع المسؤولية الجنائية هي ظروف تجعل الجاني غير مسؤول جنائياً عن فعله، حتى لو كان الفعل يشكل جريمة، وذلك لانتفاء القدرة على الإدراك أو الاختيار. وبالتالي، لا توقع عليه عقوبة، بل قد يوضع تحت تدابير احترازية.
القسم الأول: الجنون والعاهة العقلية
إذا كان الجاني يعاني من مرض عقلي يفقده القدرة على الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة.
القسم الثاني: الإكراه
* الإكراه المادي: عندما يضطر الجاني لارتكاب الفعل نتيجة لقوة مادية قاهرة لا يمكن مقاومتها (مثال: دفع شخص لآخر فيتسبب في سقوطه على ثالث وموته).
* الإكراه المعنوي: عندما يضطر الجاني لارتكاب الفعل نتيجة لتهديد خطير يفقده حرية الاختيار (مثال: تهديد شخص بقتل عائلته إذا لم يرتكب جريمة).
القسم الثالث: حالة الضرورة
عندما يرتكب الجاني الفعل لدرء خطر جسيم يهدده أو يهدد غيره، ولا يمكن تجنب هذا الخطر بطريقة أخرى، بشرط أن يكون الفعل المرتكب متناسباً مع الخطر المهدد.
القسم الرابع: صغر السن
يحدد القانون سناً معيناً يعتبر فيه الشخص غير مسؤول جنائياً، أو مسؤولاً بمسؤولية مخففة، وذلك لعدم اكتمال قدراته العقلية والنفسية.
الباب الثامن: العقوبة والتدابير الاحترازية
يتناول هذا الباب الجزاءات الجنائية التي توقع على الجاني بعد إدانته.
الفصل الأول: العقوبة
العقوبة هي الجزاء الأصلي الذي يوقعه القانون الجنائي على مرتكب الجريمة.
القسم الأول: أنواع العقوبات
* العقوبات السالبة للحرية: مثل السجن المؤبد، السجن المشدد، الحبس.
* العقوبات المالية: مثل الغرامة.
* العقوبات المقيدة للحرية: مثل الإقامة الجبرية.
* العقوبات السالبة للحقوق: مثل العزل من الوظيفة، أو إسقاط الولاية.
القسم الثاني: أغراض العقوبة
* الردع العام: تخويف المجتمع لمنع ارتكاب الجرائم.
* الردع الخاص: منع الجاني من العودة إلى الجريمة.
* الإصلاح والتأهيل: مساعدة الجاني على الاندماج في المجتمع.
* العدالة (القصاص): تحقيق العدالة للمجني عليه والمجتمع.
القسم الثالث: مبدأ تفريد العقوبة
يقصد به أن القاضي يجب أن يراعي ظروف كل جريمة وظروف كل جاني عند تحديد العقوبة المناسبة، وذلك لتحقيق العدالة والفاعلية.
الفصل الثاني: التدابير الاحترازية
التدابير الاحترازية هي إجراءات تهدف إلى حماية المجتمع من خطورة بعض الأشخاص، حتى لو لم يكونوا مسؤولين جنائياً بالكامل.
القسم الأول: أنواع التدابير الاحترازية
* التدابير السالبة للحرية: مثل الوضع في مؤسسة علاجية للمرضى العقليين، أو في دار رعاية للأحداث.
* التدابير المقيدة للحرية: مثل الإلزام بالإقامة في مكان معين.
* التدابير السالبة للحقوق: مثل المنع من ممارسة مهنة معينة.
* المراقبة: وضع الشخص تحت المراقبة لفترة معينة.
القسم الثاني: الفرق بين العقوبة والتدابير الاحترازية
* الأساس: العقوبة أساسها المسؤولية الجنائية واللوم، بينما التدبير الاحترازي أساسه الخطورة الإجرامية.
* الهدف: العقوبة تهدف إلى تحقيق أغراض الردع والقصاص، بينما التدبير الاحترازي يهدف إلى حماية المجتمع والوقاية من الجريمة.
* المدة: العقوبة لها مدة محددة، بينما التدبير الاحترازي يمكن أن تكون مدته غير محددة (في بعض الحالات) أو قابلة للمراجعة.
الباب التاسع: انقضاء الدعوى الجنائية والعقوبة
تتعلق هذه الأسباب بالحالات التي تنتهي فيها الدعوى الجنائية أو تسقط العقوبة.
الفصل الأول: انقضاء الدعوى الجنائية
تتعلق هذه الأسباب بانتهاء الحق في محاكمة المتهم.
القسم الأول: وفاة المتهم
تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم، ولا يجوز متابعته بعد وفاته.
القسم الثاني: التقادم
التقادم هو مرور فترة زمنية معينة يحددها القانون، تسقط بعدها الدعوى الجنائية ولا يجوز رفعها. وتختلف مدة التقادم تبعاً لجسامة الجريمة.
القسم الثالث: صدور حكم بات
إذا صدر حكم نهائي وبات في الدعوى الجنائية (بالإدانة أو البراءة)، فلا يجوز إعادة المحاكمة في نفس الواقعة.
القسم الرابع: العفو الشامل
العفو الشامل يصدر بقانون، ويمحو الصفة الجرمية عن الفعل، وينقضي معه الدعوى الجنائية.
القسم الخامس: الصلح أو التنازل عن الشكوى
في بعض الجرائم، خاصة الجنح والمخالفات البسيطة، قد ينقضي الحق في رفع الدعوى الجنائية بالصلح بين الطرفين أو بتنازل المجني عليه عن شكواه.
الفصل الثاني: سقوط العقوبة
تتعلق هذه الأسباب بانتهاء الحق في تنفيذ العقوبة.
القسم الأول: وفاة المحكوم عليه
تسقط العقوبة بوفاة المحكوم عليه، ولا يجوز تنفيذها على الورثة.
القسم الثاني: التقادم
التقادم هو مرور فترة زمنية معينة يحددها القانون، تسقط بعدها العقوبة ولا يجوز تنفيذها. وتختلف مدة التقادم تبعاً لجسامة العقوبة.
القسم الثالث: العفو عن العقوبة
العفو عن العقوبة يصدر بقرار من السلطة التنفيذية، ويؤدي إلى إعفاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة أو تخفيفها، ولكنه لا يمحو الصفة الجرمية عن الفعل.
القسم الرابع: تنفيذ العقوبة أو انتهائها
إذا تم تنفيذ العقوبة بالكامل، أو إذا انتهت مدتها، تسقط العقوبة.
الباب العاشر: نظرية التجريم في الفقه الإسلامي
يتناول هذا الباب مفهوم التجريم والعقاب في الشريعة الإسلامية.
الفصل الأول: مصادر التجريم في الشريعة الإسلامية
القسم الأول: القرآن الكريم والسنة النبوية
هما المصدران الأساسيان للتشريع في الإسلام، ويحددان الجرائم والعقوبات (الحدود).
القسم الثاني: الإجماع والقياس
هما من مصادر الفقه الإسلامي التي تستنبط منها الأحكام الشرعية، بما في ذلك التجريم والعقاب (التعازير).
الفصل الثاني: أنواع الجرائم والعقوبات في الشريعة الإسلامية
القسم الأول: جرائم الحدود
وهي جرائم محددة بنص شرعي، وعقوباتها مقدرة شرعاً ولا يجوز التعديل فيها. وتشمل:
* الزنا: وعقوبته الجلد أو الرجم (في حال الإحصان).
* السرقة: وعقوبتها قطع اليد.
* شرب الخمر: وعقوبته الجلد.
* القذف: وعقوبته الجلد.
* الحرابة (قطع الطريق): وعقوبتها تتفاوت بين القتل والصلب والقطع والنفي.
* الردة: وعقوبتها القتل (في حال عدم التوبة).
القسم الثاني: جرائم القصاص والدية
وهي جرائم تتعلق بالاعتداء على النفس أو الأطراف، وتهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة:
* القتل العمد: وعقوبته القصاص (قتل القاتل)، أو الدية (المال الذي يدفع لأهل المجني عليه) إذا رضيوا.
* الاعتداء على الأطراف: وعقوبته القصاص (إصابة الجاني بنفس الإصابة)، أو الدية.
القسم الثالث: جرائم التعازير
وهي جرائم لم يرد فيها نص شرعي يحدد عقوبتها، وترك تقدير العقوبة فيها لولي الأمر (القاضي أو الحاكم). وتهدف إلى تأديب الجاني وإصلاحه، وتتفاوت عقوباتها من الغرامة إلى الحبس أو الجلد.
الفصل الثالث: مبادئ التجريم والعقاب في الفقه الإسلامي
القسم الأول: مبدأ الشرعية
مبدأ الشرعية موجود في الفقه الإسلامي، حيث لا عقوبة إلا بنص شرعي (خاصة في الحدود والقصاص).
القسم الثاني: مبدأ القصد الجنائي
تفرق الشريعة الإسلامية بين الجرائم العمدية وغير العمدية في تحديد العقوبة.
القسم الثالث: مبدأ تفريد العقوبة
تراعي الشريعة الإسلامية ظروف كل حالة وجانٍ في تقدير العقوبات التعزيرية.
الخاتمة النهائية
تعتبر نظرية التجريم في القانون الجنائي من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني في أي مجتمع. وقد تبين من خلال هذا الكتاب أن التجريم ليس مجرد عملية وضع قوانين تحدد الأفعال المحظورة والعقوبات المقررة لها، بل هو عملية معقدة تتأثر بعوامل تاريخية واجتماعية وفلسفية.
لقد تطورت نظرية التجريم عبر العصور، من مجرد الانتقام البدائي إلى نظام قانوني يقوم على مبادئ العدالة والإنصاف والوقاية والإصلاح. وقد ساهمت المدارس الفقهية المختلفة في إثراء هذه النظرية وتطويرها.
وفي العصر الحديث، تواجه نظرية التجريم تحديات جديدة تتمثل في تطور الجرائم وتنوعها، مما يتطلب مراجعة مستمرة للنصوص القانونية والمبادئ القضائية. إن تحقيق التوازن بين حماية المجتمع والحفاظ على الحريات الفردية يظل الهدف الأسمى لنظرية التجريم في القانون الجنائي.
والله ولي التوفيق.