الركن المادي في جريمة النصب
نصت المادة 231 من قانون الجزاء على ما يلي:-
[ يعد نصباً كل تدليس قصد به فاعله إيقاع شخص في الغلط أو إبقاءه في الغلط الذي كان واقعاً فيه لحمله على تسليم مال في حيازته وترتب عليه تسليم المال للفاعل أو لغيره سواء كان التدليس بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة. يعد تدليساً إستعمال طرق إحتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود واقعة غير موجودة أو إخفاء واقعة موجودة أو تشويه حقيقة الواقعة وذلك كالإيهام بوجود مشروع كاذب أو تغيير حقيقة هذا المشروع أو إخفاء وجوده أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو إيجاد سند دين لا حقيقه له أو إخفاء سند دين موجود أو التصرف في مال لا يملك المتصرف حق التصرف فيه أو إتخاذ اسم كاذب أو إنتحال صفة غير صحيحه].
كما نصت المادة 232 من ذات القانون على أنه:-
[ يعاقب على النصب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاث آلاف روبيه أو بإحدى هاتين العقوبتين].
يقول شراح القانون في هذا الصدد:
تختلف المسميات الفقهيه بالنسبة للسلوك الإجرامي في جريمة النصب فمن الفقهاء من يطلق عليه لفظ إحتيال ومنهم من يطلق عليه لفظ تدليس والمشرع الكويتي أطلق لفظ التدليس على واقعة النصب والتدليس يعرف بأنه كذب تدعمه مظاهر خارجية ينصب على واقعة معينه بهدف إيقاع الشخص في غلط في أمر من الأمور التي يثبتها القانون في المادة 231 من قانون الجزاء، وجوهر التدليس هو الكذب لكي يبلغ مبلغ الإحتيال الذي يشكل أحد عناصر الركن المادي في جريمة النصب.
وقضت محكمة النقض المصرية:-
[جريمة النصب كما هي معرفه في المادة 336 من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها أن يكون ثمة إحتيال وقع من المتهم على المجني عليه بقصد خداعه والإستيلاء على ماله فيقع المجني عليه ضحية الإحتيال الذي يتوافر بإستعمال طرق إحتيالية أو بإتخاذ اسم كاذب أو إنتحال صفه غير صحيحه أو التصرف في مال الغير ممن لا يملك التصرف].
((الطعن رقم 7359/53 ق – جلسة 22/5/1984))
و جريمة النصب لا تتحقق بمجرد الأقوال والإدعاءات بل يجب أن يصاحب ذلك أعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليها على الاعتقاد بصحته.
من سياق ما سبق سرده يتبين أنه يجب لتوافر أركان جريمة النصب أن يكون فعل الإحتيال وقع من المتهم بأن ردد على مسامع المجني عليه أقوال كاذبة ثم أصطحب مع هذا الكذب مظاهر خارجية مادية تخدع المجني عليه وتحمله على التخلي عن أمواله.
أما اذا كانت الجريمة تحوطها ظلال من الشك كثيفه لا ترقى إلى اليقين الذي يقطع بإرتكاب المتهم هذه الأفعال اذ أن الأصل في الإنسان هو البراءة وهي لا تحتاج إلى إثبات بعكس الإدانة التي يلزم للقضاء بها توافر أدلة قاطعه تبني على الجزم واليقين وذ لك على أساس أن قرينة البراءة تجد سندها في أن الإتهام يدعي بخلاف الأصل وهو البراءة وعليه إذا لم تنجح النيابة العامة في إثبات إتهامها بأدلة ثبوتية قاطعه تعين الإبقاء على الأصل وهو البراءة لذلك كان الأصل فيها العدم والعدم يقيم واليقين لا يزول بالشك ولكنه يزول بيقين مثله أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع ولا يحكم بزواله لمجرد الشك كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً ولأن اليقين أقوى من الشك ولأن في اليقين حكماً قاطعاً فلا ينهدم بالشك.
والشك يفسر لصالح المتهم فإذا شك القاضي في أن المتهم قد أتى الفعل أو لم يأته بناءاً على أدلة غير كافيه أو كان يناقض بعضها البعض فالأصل أنه لم يأته فضعف الأدلة يقوي أصل البراءة ومن ثم لا تفترض إدانة المتهم حيث لا تجوز إدانته بناءاً على اعتقاد قوي وإنما بناءا على الجزم واليقين.
وفي ذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
"لو يعطى الناس بدعاوهم لأدعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن البينه على المدعي واليمين على من أنكر".
خلاصة القول:-
أن أصل البراءة كمبدأ دستوري يجب أن يغطى كل الإجراءات وكل مراحل الدعوى الجزائية ولا يجوز نقض هذا الأصل إلا بأدلة جازمة تتكون بواسطتها عقيده المحكمة.
وقضى تمييزاً:-
1- [يكفى أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له ببراءته مادامت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيره وخلا حكمها من عيوب التسبيب].
((الطعن 578/2002 جزائي – جلسة 17/2/2004))
2- [الأحكام الجزائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين الذي يثبته الدليل المعتبر لا على الشك والتخمين].
((الطعن 17/2000 جزائي – جلسة 30/10/2000))
3- [ العبرة في المحاكمات الجزائية هي بإقتناع محكمة الموضوع بناءاً على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو براءته ولها أن ترتكن عقيدتها إلى ما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى وأن تأخذ من أي بينه أو قرينه ترتاح إليها دليلاً لحكمها كما أن من إختصاصها وحدها تقدير الأدلة].
((الطعن 19/1990 جزائي – جلسة 18/6/1990))
4- [ يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل مادام الظاهر من حكمها إنها محصت الدعوى وأحاطت بكل ظروفها وبأدلة الثبوت فيها ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبه في عناصر الإثبات مادام استخلاصها سائغاً يستند إلى أدلة مقبوله في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت بالأوراق].
(( الطعن بالتمييز 297/2008 جزائي – جلسة 18/8/2008))