في ظل النمو المتسارع للتعاملات المالية الرقمية، برزت ظاهرة الاحتيال الإلكتروني كأحد أكبر التحديات التي تواجه النظام المالي، وتضع المؤسسات القانونية والمالية أمام معضلات جديدة في سبيل مكافحتها وحماية أموال الأفراد والبنوك.
الاحتيال الإلكتروني يعبر عن مجموعة من الأنشطة الإجرامية التي تهدف إلى الاستيلاء على الأموال بطرق غير مشروعة عبر الإنترنت. هذه الظاهرة تستغل الثغرات في الأنظمة المالية والتكنولوجية، وتطرح تحديات كبيرة أمام الأجهزة القضائية، نظرًا لصعوبة تعقب الجناة والطبيعة العابرة للحدود لهذه الجرائم.
منها امثلة في العمليات الأكثر تعقيدًا، فقد يتمكن المتسللون من الوصول إلى معلومات بطاقتك الائتمانية عند شراء شيء ما عبر الإنترنت أو عن طريق خداعك لتحديث معلومات الدفع الخاصة بك على موقع ويب مزيف او من خلال استدراجك إلى موقع ويب مزور شبيه بالمواقع الحكومية لإضافة معلوماتك الشخصية.
ذكرت النيابة العامة انه خلال فترة ١٧ يوماً فقط تلقت النيابة 136 بلاغًا عن احتيال مالي بمجموع مبالغ 185 الف دينار كويتي.
هذه الإحصائيات التي تعطينا مؤشرا خطيرا ان اعداد الجرائم مستمرة بارتفاع.
من الناحية القانونية، يواجه صناع القانون صعوبة في تحديث التشريعات بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية السريعة. أما اقتصاديًا، فتقدر الخسائر الناجمة عن الاحتيال الإلكتروني بمليارات الدولارات سنويًا، ما يؤثر سلبًا في الثقة في النظام المالي العالمي ويقوض الاستقرار الاقتصادي.
تتمثل أبرز التحديات في التطور المستمر للتقنيات التي يستخدمها المحتالون، وصعوبة تحديد الولاية القضائية لملاحقة الجرائم، والحاجة إلى تعاون دولي مكثف يعوقه اختلاف التشريعات والأنظمة القضائية بين الدول للحاجه الى تطوير آلية عالمية في ملاحقة المجرمين في اي دولة متواز مع سرعة الجريمة لمكافحتها.
تشمل الحلول المقترحة تشديد الأنظمة القانونية بتطوير تشريعات تعاقب على الاحتيال الإلكتروني بصرامة، وتعزيز التعاون الدولي لتبادل المعلومات والخبرات. كما يُنصح بتنظيم حملات توعية للجمهور حول مخاطر الاحتيال الإلكتروني وتطوير التقنيات الأمنية في المؤسسات المالية للكشف المبكر عن محاولات الاحتيال.
ظاهرة الاحتيال الإلكتروني تستلزم تضافر جهود متعددة الأطراف، بما في ذلك الحكومات، المؤسسات المالية، شركات التكنولوجيا، والمواطنين، لإيجاد حلول فعالة تحمي الأمن المالي وتعزز الثقة في النظام المصرفي الرقمي. ومن خلال تبني استراتيجية شاملة تجمع بين التدابير القانونية، التكنولوجية والتوعوية، يمكن مواجهة هذه الظاهرة بفعالية وضمان بيئة رقمية آمنة للجميع.
من الاجراءات الاحترازية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، ممثلة بالإدارة العامة للمباحث الجنائية، تفعيل الغرفة الافتراضية (أمان) لمواجهة حالات الاحتيال المالي وغسل الأموال، بالتعاون مع النيابة العامة واتحاد مصارف الكويت على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع.
وأنها تعمل على فتح قنوات لتلقي بلاغات الاحتيال المالي من كل البنوك المحلية، وتتفاعل معها فوراً، وتقوم بإجراء اللازم فور تلقّي البلاغ وتجميد الأموال المستولى عليها من حسابات المجني عليهم في وقتها.
في النهاية، يظل الاحتيال الإلكتروني تحديًا مستمرًا يتطلب يقظة دائمة وتحديثًا مستمرًا للأساليب الوقائية والقوانين. الاستثمار في التعليم الرقمي والأمن السيبراني، إلى جانب إنشاء أطر تعاون دولية قوية، سيكون حجر الزاوية في حماية مجتمعاتنا من هذه الجرائم المعقدة والمتطورة.
المحامي مشاري عبيد العنزي
نشر فى جريدة القبس
https://alqabas.com/article/5926719 :إقرأ المزيد