كلمة المؤلف
إن مكامن الحرية هي : ضمائر حية، وقلوب زكية، وعقول ذكية فإن خمدت روحها في مكامنها، فلا دساتير تنفع ، ولا قوانين تردع ، ولا محاكم تمنع من أن يحل محلها القهر والقسر والاستبداد والحجر .. فينكمش الصدق وترتفع هامات الكذب .. وتتوارى الشجاعة ويسود الجبن .. وينزوي الوفاء فتنشط الخيانة .. وينكس العدل رأسه ويعم الظلم .. وتتعالى صيحات النفاق وتغني شياطينه، على أنغام الطبقية والمحظوظية والمحسوبية، قصائد المدح الوثني الذي يمتهن آدمية الإنسان ويزرى بالمادح والممدوح .. ويتغذى على هذه الثمار الخبيثة أبالسة النفاق وسادة المشعوذين المسبحين، قياما وقعودا وعلى جنوبهم أبان الليل وطوال النهار، بذكاء المستبد وفطنته ونفاذ بصيرته فيجمد الفكر ويشرد الذكاء وينمحي الابداع .. ويقع المجتمع كله في عثرة قاتلة مهلكة تودي به إلى قعر التدني وقاع الهبوط وتدفع به إلى أسفل سافلين . أما إذا عاشت الحرية حقيقة في الضمائر والأفئدة والأذهان . . فليست بحاجة إلى دساتير ولا قوانين ولا محاكم، لتنبت شجرة تخرج شطأها فيستغلظ فتستوي على سوقها .. تورق الخير، وتزهر المحبة وتثمر الأمان ... وارفة الظلال ناشرة للعدالة رافعة للهضيمة راعية للسلام .. يحصحص الحق فوقها ويصدع ويزهق تحتها الباطل ويدمغ .. فتولي من حولها أبالسة الأخلاق وشياطين المنتفعين فزعة مذعورة هاربة .. فتكسى النفس بنور الخير ... وتسارع إلى ساحاتها أخلاق الحرية ومبادىء المساواة في موكب مهيب .. أمامه الشجاعة والصدق ومن خلفه الأمانة والوفاء ومن بين يديه الرحمة والمحبة والعدل .. فيعود الفرد بشرا سويا من حيث جوهره النفسي وحقيقته الروحية التي فيها نفحة الهية جعلته أهلا لأن تقع له الملائكة ساجدين، وبأن يكون خليفة الله في الأرض، ليعمرها باسم الله مهتديا بارشاداته في الحكم بالحق ومراعاة العدل وإفاضة الخير والبر . . شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية ، يغمرها نوران .. نور الحرية والعقل .. ونور المساواة والعدل ومن لم ..
يجعل الله له نورا فما له من نور.
المؤلف
الدكتور عثمان عبدالملك الصالح