1 -
رئيس ديوان المحاسبة. صلاحياته بالنسبة لموظفي الديوان هي ذات صلاحيات الوزير بالنسبة لموظفي وزارته وله سلطة وزير المالية والصناعة فيما يتعلق بتنظيمه وإدارة أعماله وكافة شئون التوظيف. مؤدي ذلك. مثال بشأن قرار رئيس الديوان برواتب ومزايا موظفي الديوان.
القواعد القانونية
وفقاً للمادتين 41، 47 من القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة المعدل بالمرسوم بالقانون رقم 4 لسنة 1977 والقانون رقم 43 لسنـة 1994 يكون لرئيس هذا الديوان، بالنسبة إلى موظفي الديوان عامة، الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح للوزير بالنسبة إلى موظفي وزارته، كما يكون له السلطة المخولة لوزير المالية والصناعة وذلك فيما يتعلق بتنظيمه وإدارة أعماله وكافة شئون التوظف التي يكون لوزير المالية والصناعة بالنسبة إليها صلاحيات أكبر من صلاحيات غيره من الوزراء، وأن تنشأ بالديوان لجنة عليا يكون لها في شئون موظفي الديوان الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح لمجلس الوزراء ولديوان الموظفين في شئون التوظف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين، وعهد برئاسة هذه اللجنة إلى رئيس ديوان المحاسبة، وأنه نفاذاً لذلك أصدر رئيس الديوان قراره رقم 5 لسنة 1996 بنظام الرواتب ومزايا العاملين الكويتيين بالديوان بدءاً من 1/4/1996 وجاء بمقدمته أنه أعطيت الأفضلية للعاملين في مجال التدقيق والتفتيش علي بقية العاملين في المجالات الأخرى المساندة، وأنه تم ربط جدول المرتبات بالهيكل التنظيمي عن طريق الوصف الوظيفي كما تم ربط الوصف الوظيفي بقانون الديوان، كما تضمن جدول تعريفاته أن التسكين يقصد به تحديد المسمي والدرجة والمرتب بناء علي المسؤوليات والواجبات ومؤهلات الموظف من الخبرة والتعليم والمهارات، وأورد تعريفاً لكل من الوظائف المهنية والمساعدة والوظائف الإدارية والسكرتارية ووظائف الخدمات المعاونة، وتضمنت المذكرة المرفقة به ترتيباً للوظائف الإشرافية ومنها مراقـب فئة أ ويدخل فيها الدرجات 16، 17، 18 ومراقب فئة (ب) ويدخل فيها الدرجات 15، 16، 17 واشتراطات كل منها، ونص علي أن الوظائف الإشرافية بالمجال الرقابي يتم تسكينها علي فئة (أ)، كما تضمنت المذكرة ترتيباً لوظائف المراقبين بالديوان، وهما نوعين، الأول مراقب فئة (أ) وتشمل (مراقبي القطاع الرقابي، مراقب شئون الموظفين، مراقب التدريب) بالدرجات 16، 17، 18 والنوع الثاني مراقب فئة (ب) وتشمل (مراقب الشئون المالية، مراقب الخدمات الإدارية) بالدرجات 15، 16، 17. ثم صدور قرار رئيس الديوان رقم 12 م لسنة 1996 بشأن نظام تسكين الموظفين بالديوان المعمول به أيضاً من 1/4/1996 وجاء بالبند رقم (هـ) منه والخاص بتحديد الدرجة أنه بالنسبة للوظائف ذات الدرجات المتعددة (ثلاث درجات فأكثر) يتم التسكين علي بداية مربوط (الدرجة الدنيا)- ولما كان مفاد النصوص والقواعد المتقدمة أن رئيس ديوان المحاسبة قد أصدر قراريه رقمي 5، 12 م لسنة 1996 بعد اجتماع اللجنة العليا لشئون موظفي الديوان، وفقاً للمادتين 41، 47 من القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة المشار إليه، متضمنين وصف وظائف الديوان وتحديد واجباتها ومسئولياتها والاشتراطات الواجب توافرها فيمن يشغلها وتقييمها وتصنيفها وأن تسوي حالات العاملين به ويتم تسكينهم طبقاً لهذا التعادل في 1/4/1996، بما مقتضاه أنه لا يجوز تسكين موظف علي وظيفة لم يستوف شروط شغلها في التاريخ المشار إليه، وإن هذه التسوية لا تقوم أساساً علي الحالة الشخصية للموظف، وإنما تقتضي الربط بين الوظيفة التي يشغلها في ذلك التاريخ وبين الوظيفة المعادلة لها بقواعد التسكين المشار إليها، حتى إذا ما توافرت فيه هذه الاشتراطات أصبح مستحقاً لشغلها، وبما لا وجه معه للتحدي، في هذا الصدد، بمبدأ المساواة أو بقواعد العدالة بغية الخروج علي الأصل الذي قرره المشرع بهذه النصوص الصريحة.
(الطعن 595/2000 إداري جلسة 27/5/2002)
2 -
قيام قانون خاص. أثره. عدم الرجوع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخـاص من أحكام. علة ذلك. عدم جواز إهدار الخاص لإعمال العام لمنافاة ذلك للغرض الذي وضع من أجله القانون الخاص.
- إنشاء ديوان المحاسبة. غايته: تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة.
- إلحاق ديوان المحاسبة بمجلس الأمة. هدفه. كفالة الاستقلال والضمانات لموظفيه وتجنيبهم مظنة التأثير.
- رئيس ديوان المحاسبة. تخويله الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح للوزير بالنسبة إلى موظفي وزارته وله السلطة المخولة لوزير المالية فيما يتعلق بميزانية الديوان وتنظيمه وإدارة أعماله وله اعتماد ترقيات الموظفين الفنيين دون حاجة إلى أخذ موافقة ديوان الخدمة المدنية ويرأس لجنة عليا لها الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح لمجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية في شئون التوظيف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين.
- اختصاص المشرع ديوان المحاسبة بأحكام استثنائية في بعض شئون موظفيه. لازمه. التقيد بها دون محاجة بما ورد في قانون أو نظام الخدمة المدنية.
القواعد القانونية
من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أنه مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام إذ لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص، وإذ كان مفاد نصوص المواد 1، 2، 41، 45، 47 من القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة أن المشرع استهدف به تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة، وعوناً له على أداء هذه الوظيفة كفل له ولموظفيه من الاستقلال والضمانات ما يجنبهم مظنة التأثير فألحقه بمجلس الأمة وخول رئيسه بالنسبة لموظفيه عامة الصلاحيات التي توليها القوانين واللوائح للوزير بالنسبة إلى موظفي وزارته وله أيضاً السلطة المخولة لوزير المالية وذلك وفقاً لما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقررة بميزانية الديوان وفي تنظيمه وإدارة أعماله وبالجملة في كافة شئون التوظف التي يكون لوزير المالية بالنسبة إليها صلاحيات أكبر من صلاحيات غيره من الوزراء، كما منحه سلطة اعتماد ترقيات الموظفين الفنيين بالديوان دون حاجة إلى أخذ موافقة ديوان الخدمة المدنية، وقضى المشرع كذلك بإنشاء لجنة عليا بالديوان برئاسة رئيسه أسند إليها في شئون موظفيه الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح لمجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية في شئون التوظف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين ودلالة ذلك جميعه أن المشرع اختص ديوان المحاسبة لموجب هذه النصوص الخاصة بأحكام استثنائية في بعض شئون موظفيه بما لازمه التقيد بها دون محاجة بما ورد في هذا الخصوص في قانون أو نظام الخدمة المدنية كقانون عام في تنظيم أحكام الخدمة المدنية في الدولة وبهذا المعنى جاءت المادة 50 من قانون إنشاء الديوان جاعله نصوصه الخاصة بشئون موظفيه استثناء من القانون العام. لما كان ذلك، وكانت المادة 14 من القانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية والمادة 7 من نظام الخدمة المدنية قد أجازتا لمجلس الخدمة المدنية بناء على اقتراح ديوان الخدمة المدنية - تقرير مرتبات لبعض الوظائف دون التقيد بما ورد بالجداول الملحقة بنظام الخدمة المدنية ومن ثم تنعقد هذه الصلاحيات - عملاً بالمادة 47 من القانون 30 لسنة 1964 المشار إليها - للجنة العليا بديوان المحاسبة وطوعاً لها أصدر الديوان قراره 5 لسنة 1996 بنظام جديد لرواتب موظفيه تضمن تعداداً خاصاً للوظائف به وما يقابلها من الدرجات والمرتبات وعلاوات أداء يتدرج بها الراتب على أن يتم تحديدها على أساس مستوى أداء الموظف السنوي الذي وضع لتقديره سبع مراتب تبدأ من درجة "دون المستوى المطلوب" وتنتهي "بمتفوق" بحيث أصبح أمر تقدير لأداء "الكفاءة" يدور في فلك نظام المرتبات والعلاوات تابعاً له لا ينفك عنه له فيأخذ حكمه ويكون صوناً له في الاختصاص بتنظيمه باعتبار أن من يملك الأصل يملك الفرع ومن ثم يكون هذا النظام بجميع قواعده بما فيها الخاصة بتقييم الأداء "الكفاءة" صادراً من ذي اختصاص وفقاً لأحكام القانون وترتيباً على ذلك فإن تقييم أداء "كفاءة" المطعون ضده عن عام 97/1998 إذ تم وفقاً لهذا النظام فإنه يكون قد جاء موافقاً للقانون بما يضحى في هذا الشأن عصياً على الإلغاء. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه مما يُوجب تمييزه في هذا الخصوص.
(الطعن 490/2000 إداري جلسة 7/4/2003)
3 -
سلطة إحالة موظفي ديوان المحاسبة إلى التحقيق. قصرها على رئيس الديوان أو من يفوضه. عدم جواز مجازاة الموظف تأديبياً إلا بناء على هذا التحقيق. مجازاة الموظف بناءً على تحقيق شفوي من الرئيس المباشر دون تفويض. أثره. القضاء بإلغاء هذا القرار.
القواعد القانونية
من المقرر -في قضاء التمييز- أنه إذا بني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى وكان يصح بناء الحكم على أحدهما فقط فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج، وإذ كان النص في المادة 48 من القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة على أن " تنظم اللائحة الداخلية للديوان الإجراءات والقواعد الخاصة بتأديب الموظفين الفنيين بالديوان والتحقيق معهـم ". والبند 3/1 " من الباب الخاص بالتأديب من لائحة شئون الموظفين ودليل سياسات وقواعد ونظم إجراءات شئون الموظفين المرافقين لقرار رئيس الديوان رقم 1997 على أن " يكون لرئيس الديوان أو من يفوضه السلطة بإصدار قرار الإحالة إلى التحقيق "، وصدر البند 4 " من هذا الباب على أن " بناء على نتائج التحقيق يصدر قرار توقيع العقوبة... " يدل على أن سلطة إحالة موظفي الديوان إلى التحقيق قاصرة على رئيس الديوان أو من يفوضه فحسب بما لا يسوغ معه لأية رئاسة أخرى في الديوان مباشرة هذا الاختصاص دون تفويض من رئيس الديوان، وأنه لا يجوز مجازة الموظف تأديبياً إلا بناء على هذا التحقيق، وإذ كان الثابت – وعلى ما سجله الحكم المطعون فيه – أن قرار الجزاء مدار الطعن وإن كان قد صدر استناداً إلى تحقيق شفوي أجرى مع المطعون ضدها بواسطة رئيسها المباشر إلا أنه وقد خلت الأوراق مما يفيد تفويض الرئيس في إحالتها إلى التحقيق وإجرائه معها بناء على هذه الإحالة ومن ثم يكون سديداً ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من مخالفة القرار للإجراءات والقواعد المقررة قانوناً بما يرتب القضاء بإلغائه، وفي ذلك ما يكفي لحمل هذا القضاء بما يضحى معه النعي بهذا السبب على الحكم في دعامته الخاصة بالسلطة المختصة بتوقيع الجزاء التأديبي على الموظفين الفنيين بالديوان – ومن بينهم المطعون ضدها – أياً كان وجه الرأي فيه غير منتج وبالتالي فهو غير مقبول.
(الطعن 863/2001 إداري جلسة 30/6/2003)
4 -
الموظفون الفنيون بديوان المحاسبة. قرر لهم المشرع تنظيماً قانونياً خاصاً يشمل أوضاع تعيينهم وتأديبهم وإنهاء خدماتهم. مؤدى ذلك. عدم سريان الأحكام التي تضمنتها الشريعة العامة وانتظمتها قوانين شئون العاملين المدنيين بالدولة عليهم ومنها المادة 15 مكرر المضافة بالمرسوم بالقانون رقم 2 لسنة 1989 بتعديل بعض أحكام القانون 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية فيما تضمنته من مدة التعيين والتجديد. علة ذلك. أن هؤلاء الفنيين في مركز قانوني لا ينكفل إلا بديمومة العلاقة الوظيفية إذ في شأن تأقيت مدة التعيين النيل من استقلال الديوان وإخضاع موظفيه الفنيين لأهواء التجديد ويضحى عدم التجديد لهم عزلاً مقنعاً وهو ما يتناقض مع ما قرره الدستور وقانون ديوان المحاسبة من كفالة استقلاله ويمس بحيدته ويتعارض مع الأسس والأغراض التي أنشئ من أجلها.
- صدور تفسير من مجلس الخدمة المدنية- والذي له الاختصاص بإصدار تفسيرات ملزمة للجهات الإدارية- للمادة 15 مكرر من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية بما يفيد انطباق أحكام الفقرة الأخيرة منها على تجديد التعيين في وظائف الوكلاء والوكلاء المساعدين بديوان المحاسبة. انطواؤه على تعديل لأحكام قانون ديوان المحاسبة بغير الأداة المقررة وتجاوز وظيفة التفسير إلى وظيفة التشريع بما يخل بضوابط السلطة وقواعد الاختصاص ويمس بمبدأ الفصل بين السلطات وباستقلال ديوان المحاسبة ويثير شبهة عدم دستورية هذا القرار.
القواعد القانونية
إذ كان مبنى الطعن أنه طبقاً لما نص عليه الدستور في المادة (151) منه بأن ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، وقد صدر قانون ديوان المحاسبة رقم 30 لسنة 1964 ونص في المادة (1) منه على أن "تنشأ هيئة مستقلة للمراقبة المالية تسمى "ديوان المحاسبة" وتلحق بمجلس الأمة"، كما نصت المادة (2) من ذات القانون على أنه "يهدف الديوان أساساً إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه" ونصت المادة (3) على أن "يشكل الديوان من رئيس ووكيل ووكيل مساعد، وعدد كاف من الموظفين الفنيين وفقاً لأحكام هذا القانون، ويجوز تعيين نائب للرئيس، كما يجوز تعيين أكثر من وكيل ووكيل مساعد للديوان تبعاً لحاجة العمل ومقتضياته، ويلحق بالديوان العدد اللازم من الموظفين غير الفنيين، في تطبيق أحكام القانون، والمستخدمين من مختلف الطبقات والدرجات"، كما نصت المادة (38) على أن "يعين كل من وكيل الديوان، والوكيل المساعد بمرسوم أميري بناء على ترشيح رئيس الديوان، وبموافقة رئيس مجلس الأمة ومجلس الوزراء، ويعامل الوكيل معاملة وكيل الوزارة، والوكيل المساعد معاملة وكيل الوزارة المساعد، وذلك من حيث الراتب والمعاش وسائر البدلات والمزايا المالية وتسري عليهما من حيث نظام الاتهام والمحاكمة والإحالة إلى المعاش، الأحكام التي تسري على الموظفين الفنيين بالديوان في هذا الشأن، والمبينة بهذا القانون"، ونصت المادة (47) على أن تنشأ لجنة عليا بالديوان يكون لها في شئون موظفي الديوان الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح لمجلس الوزراء ولديوان الموظفين في شئون التوظف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين، وأبانت تلك المادة كيفية تشكيل هذه اللجنة وإصدار قراراتها، كما جرى نص تلك المادة على أن "لا يعزل موظفو الديوان الفنيون بغير الطريق التأديبي إلا بعد موافقة اللجنة المشار إليها في هذه المادة"، وقد أوردت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون في هذا الشأن أن "مؤدى حكم ذلك النص أنه عدا حالة عزل الموظف الفني بقرار من السلطة التأديبية المختصة، لا يجوز إحالة هذا الموظف إلى التقاعد قبل بلوغه السن المقررة لذلك، إلا بموافقة اللجنة العليا آنفة الذكر، ولا شك في أن ما تقرره أحكام كل من هذه المادة، والمادة السابقة لها، ليعد من الضمانات الأساسية والجوهرية التي تكفل استقلال الديوان، والنأي بموظفيه الفنيين- الذين يتركز فيهم قيام الديوان بمهمته كما سلف- عن كافة المؤثرات، ووسائل الترهيب، وبذلك يتوافر لهم جو من الاستقرار والطمأنينة يمكنهم من تأدية أعمال وظائفهم على خير وجه." وأن البين مما تقدم أنه نزولاً على حكم الدستور صدر قانون ديوان المحاسبة حيث قرر المشرع للموظفين الفنيين به تنظيماً قانونياً خاصاً شمل أوضاع تعيينهم وتأديبهم وانتهاء خدمتهم بأحكام متميزة نأى بها عن الأحكام التي تضمنتها الشريعة العامة وانتظمتها قوانين شئون العاملين المدنيين بالدولة، وهو الأمر الذي يتعين معه الوقوف عند إرادة المشرع في هذا الصدد، وبالتالي ينحسر عنهم مجال انطباق حكم المادة (15 مكرراً) المضافة بالمرسوم بالقانون رقم 2 لسنة 1989 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية الذي يقضي بأن "تكون مدة التعيين في أية وظيفة من مجموعة الوظائف القيادية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ويكون تجديد التعيين في الوظائف القيادية ونقل وندب المعينين في هذه الوظائف بمرسوم بناء على عرض الوزير المختص". ولا يسري حكم هذا النص على الموظفين الفنيين بديوان المحاسبة ممن يشغلون الوظائف القيادية به، أخذاً بعين الاعتبار أن القانون العام اللاحق لا ينسخ أحكام القانون الخاص السابق لعدم اشتمال دائرة العموم لذلك المجال المخصص، وأن تأقيت مدة تعيين هؤلاء في هذه الوظائف لا تحتمله نصوص قانون إنشاء الديوان، ولا معانيها، ولا يتسع تفسيرها لشمول هذا المفاد، وأن من يشغلون هذه الوظائف هم في مركز قانوني لا ينكفل إلا بديمومة جريان العلاقة الوظيفية في الإطار الآمر من الأحكام القانونية التي تناولها قانون ديوان المحاسبة وفي حدودها، فضلاً عن أن من شأن تأقيت مدة التعيين النيل من استقلال الديوان وذلك بإخضاع موظفيه الفنيين إلى أهواء التجديد، ويضحى عدم التجديد لهم- في واقع الأمر- عزلاً مقنعاً، وإنهاءً مبتسراً لخدمتهم بالمخالفة للأوضاع والإجراءات المقررة قانوناً في هذا الشأن، وهو ما يتناقض مع ما وفره الدستور ونصوص قانون ديوان المحاسبة الصريحة من كفالة استقلاله، وينطوي ذلك على المساس بحيدته بصفته رقيباً على الدورة المحاسبية للدولة وحكماً- من حيث تلك الصفة- بين سلطاتها المختلفة، كما يتعارض مع الأسس والأغراض التي أنشئ من أجلها. كما أنه من ناحية أخرى، فإنه ولئن كان نص البند (6) من المادة (5) من المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية قد عهد إلى مجلس الخدمة المدنية الاختصاص بإصدار التفسيرات الملزمة للجهات الحكومية فيما يتعلق بتشريعات الخدمة المدنية، وكان الأصل في التفسيرات التشريعية إنما تصدر لتكشف عن غموض النص وإزالة الإبهام الذي قد يلابسه إلا أنه ليس من شأن ذلك الخروج عن النص أو تعطيل حكمه أو استحداث أحكام لم يتناولها النص لخروج ذلك عن وظيفة التفسير، إذ لا يجوز تعديل القانون إلا بإصدار قانون معدل له، وأن سن التشريعات هي مهمة المشرع، وإذ كان الأمر كذلك، وكان مجلس الخدمة المدنية قد أصدر قراره رقم (5) لسنة 2003 بشأن التفسير التشريعي للمادة (15 مكرراً) من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية متضمناً في المادة الأولى منه النص على انطباق أحكام الفقرة الأخيرة من المادة (15 مكرراً) على تجديد التعيين في وظائف الوكلاء والوكلاء المساعدين بديوان المحاسبة، وعلى أن يكون تجديد التعيين وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة (38) من قانون ديوان المحاسبة باعتبار هذه الإجراءات حكماً خاصاً يقيد الحكم الوارد في الفقرة المذكورة، فبالتالي فإن قرار مجلس الخدمة المدنية سالف الذكر يكون قد صدر منطوياً على تعديل لأحكام قانون ديوان المحاسبة بغير الأداة المقررة، مجاوزاً بذلك وظيفة التفسير إلى وظيفة التشريع بما من شأنه الإخلال بضوابط السلطة وقواعد الاختصاص، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى ما تقدم واعتد بالرغم من ذلك بقرار مجلس الخدمة سالف البيان وجعله أساساً لقضائه.