1 -
حرية الصحفي. نطاقها المشروع. اتساع دائرة المشروعية والإباحة إذا كان الموجه إليه النقد شخصية عامة تنوب عن المجتمع في قضاء المصالح أو مكلفاً بالسهر على أدائها. لا يخرج عن النقد المباح بالنسبة لصاحب هذه الشخصية إلا التعرض لأحواله الشخصية التي لا تتصل بالعمل العام.
- نقد الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة. صياغته بألفاظ أو بعبارات تنطوي على بعض القسوة والشدة والاستهجان. لا يخرجه عن نطاق المشروعية. شرط ذلك: أن تهدف تلك العبارات إلى خدمة الموضوع محل النقد المتصل بالعمل العام ولا تتعدى الحدود المقررة في هذا الشأن. علة ذلك.
- عدم جواز الاعتداد بلفظ معين أو بعبارة في ذاتها بمعزل عن غير ذلك من باقي المقال محل التفسير. وجوب الأخذ بما تفيده العبارات بأكملها كوحدة مترابطة متماسكة توصلاً إلى التعرف على حقيقة المقصود منها.
- توظيف الصحفي لقلمه في خدمة الموضوع الذي تناوله بالنقد. أداة من أدوات الرقابة على العمل العام تصب في خدمة المجتمع. الأوصاف التي لا تعنى ذات الشخص ولا المعنى المجرد للألفاظ في ضوء المقال برمته. نقد مباح يستهدف الصالح العام. مثال.
القواعد القانونية
المستقر عليه في الفقه والقضاء، أن حرية الصحفي في النقد والتعبير عن الرأي لا تتعدى حرية الفرد العادي ولا تُجاوزها إلا بتشريع خاص فيتعين عليه أن يلتزم فيما ينشره بالمقومات الأساسية المنصوص عليها في الدستور وفي الحدود التي تنص عليها القوانين من احترام الحياة الخاصة للمواطنين وعدم المساس بشرفهم وسمعتهم واعتبارهم، وإن كان ذلك هو الإطار الذي يحكم حق النشر وحرية الرأي، إلا أن الصحفي له في هذا النطاق المشروع، ولغيره من الأفراد، أن يعبر عن رأيه ومعتقده في كافة الأمور التي تهم المجتمع، فله أن ينقد أي تصرف أو عمل أو رأي يصدر من شخص آخر يكون مرتبطاً بهذه الأمور مادام أنه يبغي من وراء ذلك تحقيق تقدم المجتمع ومصلحته وسلامة البناء الوطني ولا يحده في ذلك إلا المحاذير التي نص عليها القانون، وتتسع دائرة المشروعية والإباحة إذا كان الموجه إليه النقد شخصية عامة تنوب عن المجتمع في قضاء المصالح، أو مُكلـف بالسهر على أداء هذه المصالح، باعتبار أن النقد في هذه الحالة يصب دائماً في خدمة المجتمع مادام محوره الأعمال التي تضطلع بها الشخصية العامة نيابة عن الكافة، وبالتالي لا يخرج عن النقد المباح، بالنسبة لصاحب هذه الشخصية، إلا التعرض لأحواله الشخصية التي لا تتصل بالعمل العام، وترتيباً على ذلك فإن نقد الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة يظل في دائرة المشروعية ولو صيغ بألفاظ أو بعبارات تنطوي على بعض القسوة والشدة أو الاستهجان، مادام أنها تهدف إلى خدمة الموضوع محل النقد المتصل بالعمل العام ولا تتعدى الحدود المقررة في هذا الشأن، وذلك باعتبار أن من يحمل أمانة الخدمة العامة بطبيعته لا يخلو من المراقبة والنقد من جميع الأجهزة الرقابية الرسمية منها والشعبية وهو الأمر الذي يتعين معه على من يتولى الخدمة العامة أن يكون مستعداً لهذا النوع من المسائلة حفاظاً على مصلحة الجماعة وتغليبها على مصلحة الفرد. وحيث إنه بالبناء على كل ما تقدم وترتيباً عليه، وكان الثابت من الاطلاع على المقال، موضوع الدعوى، أنه ينطوي على مقدمة ونهاية على لسان المستأنف ضده، وعبارات احتلت وسط المقال تبين للمحكمة أن الأخير نقلها من المناقشة التي دارت بين أعضاء مجلس الأمة في خصوص محاسبة المستأنف -بصفته وزيراً للعدل ونائباً عن الأمة -بالنسبة للأعمال التي قام بها في الجهات التابعة له والتي تتعلق بتعيين الموظفين واستثمار المال العام، وإذ كانت العبارات المنقولة عن المجلس قد اقتصرت على نقد المستأنف بخصوص السياسة التي اتبعها في تعيين الموظفين واستثمار المال العام في شركات صغيرة دون البيوت المالية الكبيرة، ووصف هذه السياسة بالحزبية، فإن نقل المستأنف ضده هذه العبارات من مضبطة مجلس الأمة وترديدها في المقال موضوع الدعوى لا يُشكل -بالمعيار الذي ساقته المحكمة فيما تقدم -أي إهانة من المستأنف ضده للمستأنف أو تعرض لشخصه أو المساس بكرامته أو النيل من سمعته أو مركزه الاجتماعي باعتبار أن العبارات التي تضمنها النقل تنطوي على نقد معالجة الوزير لبعض الأمور الخاصة بوزارته ومن ثم موجهة لعمله وليس لشخصه، وعن مقدمة المقال ونهايته والتي جاءت العبارات فيها على لسان الصحفي المستأنف ضده، فإن المحكمة -بذات المعيار الذي أرسته تقديماً لقضائها وبما لها من سلطة تفسير عبارات المقال في مجمله وبالنظر إلى الموضوع محل النقد والمركز الوظيفي والنيابي للموجه إليه النقد -ترى أن عبارات المقال محل البحث وإن اشتدت واتسمت بالحدة إلا أنها لا تنال أيضاً من شخص المستأنف أو كرامته أو اعتباره لكونه بقبوله الوظيفة العامة والنيابة عن أهله وذويه فقد وضع نفسه محلاً لتقييم الآخرين وانتقادهم في ممارسته لعمله العام، وذلك استعمالاً لحق مقرر لهم بمقتضى الدستور والقانون، ومتى كان ذلك، وكانت العبارات المنوه عنها قد انصبت على التعليق عن ذات موضوع المناقشة الذي كان دائراً بين أعضاء مجلس الأمة وتعلق بعمل المستأنف وهو موضوع عام يهم أفراد المجتمع ومصلحته، فإن النقد الذي انطوت عليه هذه العبارات يستهدف -في تقدير المحكمة- المصلحة العامة وخدمة المجتمع لا شخص الوزير أو سمعته وكرامته، لأن مقام الحال لا يجعل من مفردات المقال أمراً مؤاخذاً عليه وبالتالي فلم يخرج هذا المقال عن دائرة النقد المباح، ولا ينال من هذا النظر الأسباب التي ساقها المستأنف لاستئنافه وانطوى عليها دفاعه، من أن المستأنف ضده قد تعرض لشخصه عندما وصفه في المقال بالكبر والغرور والظلم والحزبية، ذلك أن المحكمة ترى أن هذه الأوصاف -في ضوء الأسانيد المتقدم ذكرها -لا يصح النظر إليها وتفسيرها على حدة بعيداً عن المقال في موضوعه ومجموعه، وذلك التزاماً بقواعد التفسير التي يتعين معها عدم الاعتداد بلفظ معين أو بعبارة في ذاتها بمعزل عن غير ذلك من باقي المقال محل التفسيـر، بل يجب الأخذ بما تُفيده العبارات بأكملها وحدة مترابطة متماسكة توصلاً إلى التعرف على حقيقة المقصود من تلك العبارات وهذه الألفاظ، وهدياً بهذا المفاد فإن الأوصاف المشار إليها في ضوء المقال برمته لا تعني المستأنف في شخصه ولا المعنى المجرد لهذه الألفاظ بعيداً عن موضوع المقال في جملته باعتباره نقداً مباحاً يستهدف الصالح العام، وإنما قد جاءت هذه الأوصاف من المستأنف ضده توظيفاً لقلمه في خدمة الموضوع الذي تناوله بالنقد، وذلك باعتباره أداة من أدوات الرقابة على العمل العام تصب في خدمة المجتمع، وفي النهاية فإن النقد الذي انطوى عليه المقال لا يعدو أن يكون رأياً مطروحاً على الكافة بين مصدق ومكذب، فلا يعني بالضرورة صحة ما جاء به وهو الأمر الذي يُؤكد عدم التعرض لشخص الوزير.